من سنن الجمعة
عن أوس بن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ))
حديث أوس بن أوس هذا صحيح، رواه أبو داود والنسائي وغيرهما بأسانيد صحيحة، قال البيهقي في كتاب المعرفة: روينا عن أنس، وعن أبي أمامة في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة ويومها أحاديث وأصحها حديث أوس هذا، وأما الأثر عن عمر رضي الله عنه في الكهف فغريب وروي بمعناه من رواية ابن عمر وهو ضعيف أيضا، وروى البيهقي بإسناده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين)) قال: وروي موقوفا على أبي سعيد.
(أما الأحكام) فيستحب للحاضر قبل الخطبة الاشتغال بذكر الله - تعالى - وقراءة القرآن والصلاة، والإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومها وليلتها، ودليل ذلك ظاهر، وقد سبق حديث سلمان في هذا الباب الندب إلى الصلاة قال الشافعي في الأم والأصحاب: ويستحب قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة وليلتها، ويستحب إكثار الدعاء يوم الجمعة بالإجماع.
ودليله حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذكر يوم الجمعة فقال: فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه وأشار بيده يقللها)) رواه البخاري ومسلم ; وسقط في بعض الروايات " قائم يصلي " وفي رواية صحيحة للبيهقي: " وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يقللها " وفي رواية لمسلم " وهي ساعة خفيفة "
واختلف العلماء في تعيين هذه الساعة على أحد عشر قولا:
(أحدها): أنها ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس، حكاه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ وآخرون.
(الثاني) عند الزوال حكاه القاضي عياض، وحكاه صاحب الشامل عن الحسن البصري.
(الثالث): من الزوال إلى خروج الإمام حكاه أبو الطيب وحكاه ابن الصباغ لكن قال: إلى أن يدخل الإمام في الصلاة.
الرابع): من الزوال إلى أن يصير الظل نحو ذراع، حكاه القاضي عياض.
(الخامس): من خروج الإمام إلى فراغ صلاته حكاه عياض.
(السادس): ما بين خروج الإمام وصلاته حكاه أبو الطيب.
(السابع): من حين تقام الصلاة حتى يفرغ حكاه عياض.
(والثامن) وهو الصواب: ما بين جلوس الإمام على المنبر إلى فراغه من صلاة الجمعة حكاه عياض وآخرون.
(التاسع): من العصر إلى غروب الشمس حكاه عياض وآخرون، وحكاه الترمذي في كتابه عن بعض العلماء من الصحابة وغيرهم، قال: وبه يقول أحمد وإسحاق قال: قال أحمد: أكثر أهل الحديث أنها بعد العصر، وترجى بعد الزوال.
(العاشر): آخر ساعة من النهار حكاه القاضيان أبو الطيب وعياض وابن الصباغ وخلائق، وبه قال جماعة من الصحابة.
(الحادي عشر): أنها مخفية في كل اليوم كليلة القدر، حكاه عياض وغيره ونقله ابن الصباغ عن كعب الأحبار.
واعترضوا على من قال بعد العصر بأنه ليس وقت صلاة وفي الحديث: " وهو قائم يصلي " وأجابوا بأن منتظر الصلاة في صلاة، ولأنه قد يكون في صلاة ذات سبب، والصواب القول الثامن، فقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن يقضي الصلاة)) فهذا صحيح صريح لا ينبغي العدول عنه، وفي سنن البيهقي بإسناده عن مسلم بن الحجاج قال: هذا الحديث أجود حديث وأصحه في بيان ساعة الجمعة. قال القاضي عياض: وليس معنى هذه الأقوال أن هذا كله وقت لهذه الساعة، بل معناه أنها تكون في أثناء ذلك الوقت، لقوله: وأشار بيده يقللها. وهذا الذي قاله القاضي صحيح.
أما الحديث الذي رواه الترمذي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس)) فضعيف ضعفه الترمذي وغيره، راويه محمد بن أبي حميد، منكر الحديث سيئ الحفظ.
وأما حديث كثير بن عبد الله بن عمر وابن عوف عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أنها من حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها)) فرواه الترمذي وقال حديث حسن، وليس كما قال، فإن مداره على كثير بن عبد الله. وقد اتفقوا على ضعفه وترك الاحتجاج به. قال الشافعي: هو كذاب. وفي رواية عنه: هو أحد أركان الكذب. وقال أحمد بن حنبل: منكر الحديث ليس بشيء.
وأما حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة فيه ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه الله عز وجل فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر)) فرواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح، ويحتمل أن هذه متنقلة تكون في بعض الأيام في وقت، وفي بعضها في وقت، كما هو المختار في ليلة القدر والله أعلم. المجموع شرح المهذب (4/423)